تعد حماه من أمهات المدن السورية..ويرجع تاريخها إلى عصور موغلة في القدم، حيث
تشكلت نواة المدينة في الألف الخامس قبل الميلاد،ثم أخذت النواة بالاتساع حتى أصبحت في
بداية الألف الثالث قبل الميلاد مدينة مسورة تعرف باسم ( حماث ) وكان سكانها على
دراية بالزراعة والصناعات الحلية البسيطة، كما عرفوا الري ووسائل السقاية وتمكنوا
من إرواء حقولهم بمياه نهر العاصي.
وفي محافظة حماه عدد كبير من الأوابد الأثرية الهامة، بالإضافة إلى ما تمتاز به هذه
المدينة عن غيرها من مدن العالم، إلا وهي نواعيرها الضخمة والفريدة التي ترفع مياه
العاصي لري بساتينها ورياضها.
تربض مدينة أبي الفداء بين أحضان نهر العاصي، وتمتد على ضفافه الزمردية واحة خضراء
أمدتها الطبيعة بعناصر الخصب والجمال سخية متألقة، وعلى هذا الامتداد الشيق تمتزج
أنغام النواعير المتواصلة بخرير المياه وهي تتصاعد من مجرى النهر على سلاسل لتملأ
الأقنية القائمة على قناطر تاريخية.
ولعل فكرة الناعورة موغلة في القدم،إلا أن أقدم مصدر تاريخي عن الناعورة هو لوح
فسيفسائي عثر عليه في أفامية، يمثل ناعورة، ويرقى للقرن الخامس الميلادي.
والنواعير كثيرة في محافظة حماه.. تبدأ من بلدة الرستن وتنتهي في قرية العشارنة..
وهي ذوات أسماء مختلفة وقد اندثر بعضها وبقي بعضها الآخر. ويزيد عددها عن مئة ناعورة.
وتدور على العاصي في داخل مدينة حماه ستة عشر ناعورة من أشهرها ناعورة البشرية
الكبرى وناعورة البشرية الصغرى، وسميتا كذلك نسبة إلى الشيخ بشر المدفون في قبة
بجانبيهما، والناعورتان العثمانيتان اللتان تقعان أمام البشريات. وقد انتشرت
المقاصف في تلك المنطقة والتي يحمل أحدها اسم ( الأربع نواعير ) حيث يجد الزائر فيها
ضالته، ويمتع بصره بمنظر المكان الذي يأخذ بالألباب.
واكبر النواعير في حماه هي ناعورة المحمدية، التي تقع في حي باب النهر والتي أنشأها
كافل المملكة الحموية في العصر المملوكي أيدمر بن عبد الله الشيخي التركي سنة 1361 م.
ويبلغ قطرها واحداً وعشرين متراً.
ويليها في الكبر ناعورة المأمورية القريبة من متحف حماة، ويبلغ قطرها عشرين متراً
أنشأها الأمير بلباك سنة 1453 م وهو احد أمراء حماة في العصر المملوكي وبعد الاصطلاحات
الأخيرة عليها زاد قطرها متراً واحداً وبجانب هذه الناعورة ناعورتان صغيرتان هما:
المؤيدية والعثمانية وترقيان لعصر العثماني.
إن الجمال الريفي البسيط لهذه الآلات القديمة آسر وساحر، خصوصاً أن غناءها الرتيب
الناتج عن صرير
أخشابها، لا يتوقف ليل نهار وكأنه آت من أعماق الأزمنة السحيقة